على مر الأعوام اعتاد الشعب الفلسطيني على المناواشات اليومية مع المستوطنين المتوغلين في أراضي الضفة، والذين ينكلون ويعيثون في الأرض فساداً بكافة الطرق والسبل الممكنة. وتتلون أساليبهم من حين لآخر لتكون على هيئة العبث بالممتلكات العامة والخاصة والقتل تحت حماية مشددة من الجيش الإسرائيلي. وفي مدينة روابي والتي تُبنى على تلة مواجهة لمستوطنة عُتيرت شمال غرب مدينة رام االله لم تكن الصورة مغايرة، فمنذ الإعلان عن فكرة إنشاء أول مدينة فلسطينية تُبنى وفق مخطط هيكلي تنظيمي، بدأ المستوطنون حربهم الشعواء ضد المشروع؛ بدءً من الاعتداءات الهمجية على الممتلكات والأفراد مرواً برفع دعاوى قضائية ضد المدينة زاعمين أنها تسبب أضرارا بيئية، إلا أن روابي استطاعت من خلال سياستها في الحفاظ على البيئة آسب القضية لصالحها، من ثم آان اعتراضهم على الطريق الواصل ما بين مدينة روابي والشارع الرئيس الواقع على مقربة منها، إلا أن هذه الدعوة باءت بالفشل أيضا، وأصبحت المدينة واقعاً لا مفر وتوالت الاعتداءات والمحاولات لإفشال بناء المدينة الجديدة، ليكون آخرها سرقة أآبر علم فلسطيني تم رفعه في فلسطين، فوق تلة من تلال
روابي تقابل مستوطنة عُطيرت بشكل مباشر، ليرفرف يومياً بوجههم مرسلاً رسائل هامة تقول بأن الهمة الفلسطينية لن تكل ولن تمل،
وأنها ستبقى حامية للجبال والتلال والأرض الفلسطينية.
فمع فجر يوم أمس، اقتحم مستوطنون مسلحين بسيارتهم مدينة روابي، وترجلوا ليشقوا طريقهم في الظلام بين الأسلاك ليصلوا لأعلى
التلة في المدينة، نحو الساحة التي تحوي سارية العلم وتماثيل العائلة الفلسطينية للفنانين سليمان منصور وزياد عناني، وقطعوا السلك
الحديدي لرافعة العلم، وسرقوه. وما أن أطلت شمس صباح اليوم التالي إلا وآان القائمون على المدينة قد قاموا برفع علم آخر يرفرف أمام
أعينهم وعلى مقربة من المستوطنة ليؤآدوا لهم أن محاولاتهم الرامية إلى التخريب لن تجدي نفعاً.
وترتفع التلة التي تقع عليها سارية العلم 800 متراً عن سطح البحر، بينما يبلغ طول السارية 24 متراً ترفع علم بأحداثيات 15*9م. وتعد
السارية بعلمها الضخم الذي تحمله معلماً مهماً في مدينة روابي، حيث بات يشكل نقطة جذب هامة للزوار الذي يلتقطون صورا بجانبه
متفاخرين بالعلم الفلسطيني الذي يرفرف عالياً في سماء الوطن، وترافقهم صورته إلى مشارف بيرزيت والساحل الفلسطيني. أن رفع علم
بهذا العلو ليس بالأمر الهين، سيما وأن سرعة الرياح في المنطقة عالية جداً، ولكن الإصرار على رفعه دفع الشرآة للتواصل مع شرآات
هندسية عالمية لتقديم الحلول، ورفع العلم الذي أصبح يشكل تحدياً وعلامة فارقة على تلك التلة المقابلة للمستوطنة الإسرائيلية.
قد تبدو عملية سرقة العلم ليست ذات قيمة مادية، ولكنها دون شك تحمل معنى آبير في أجزائها، إذ أن المستوطنين باتوا يحاربون آافة
المعالم والأعمال والنشاطات التي من شأنها تقديم مستقبل أفضل ورؤية أوسع للدولة الفلسطينية وأبنائها، الذين يحفظون دلالات علمهم
بألوانه الأربع الأحمر والأسود والأبيض والأخضر.